عصر الإمام الكاظم عليه السّلام

عاصر الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام فترةَ حياته الشريفة أربعةً من طواغيت زمانه وجبابرة عصره من بني العباس السفّاحين.
عاش ردحاً من الزمن معاصراً للمنصور الدوانيقي الذي ما تورّع في إبادة أُمّة من المسلمين في سبيل تثبيت عرش بني العباس، ولمّا هلك تربّع على العرش العباسي ابنه محمّد المهدي، وسار على منهج سلفه في القتل وسفك دماء المسلمين، بل زاد على ما فعله أبوه، وبعد هلاكه خَلَفه السفّاح موسى الهادي العباسي، ولم يطل به المقام حتّى هلك، فخلفه أخوه الطاغية هارون الرشيد الذي زاد في الظلم والجور وسفك دماء المؤمنين على نهج أسلافه الظَلَمة، حتّى قضى الإمام عليه السّلام مسموماً شهيداً في سجن السندي بن شاهَك.
وخلال هذه الفترة المتمادية من السنين تحمّل الإمام عليه السّلام صنوف الإرهاب السياسي والفكري والعذاب النفسي والجسدي، ما لا تتحمّله الجبال الرواسي.
وقد واجه الإمام عليه السّلام كلّ تلكم المآسي التي تنهدّ لهولها الجبال بعزمٍ ثابت وإرادةٍ لا تلين، وبتصميم راسخ لا تزعزعه العواصف ولا تزيله القواصف، موطّناً نفسه على مواجهة وتحمّل كلّ الصعاب التي مارسها حكّام الجور ضدّه وضدّ العلويين من آله، كما شمل ذلك الظلم أصحابه البررة والموالين المنتسبين لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام. وقد صمّم عليه السّلام على مواجهة كلّ ما يستجدّ من جور الحكّام العباسيين وتابعيهم من محنٍ ومآسٍ في سبيل ترسيخ دعائم شريعة الإسلام وما جاء به جدّه المصطفى صلوات الله عليه وآله، حتّى ظهور المنقذ الأعظم للبشرية، وحتّى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
اتّخذ الإمام الكاظم عليه السّلام موقف المُنكِر للباطل في التعامل مع السلطة الحاكمة وأجهزتها، فقد كان يبدي التحفّظات في ممارسة أيّ عمل للنظام الحاكم، وكان يندّد بمواقف بعض المتملّقين للحكم والعاملين في أجهزته.
وتتّضح دعوته عليه السّلام في تحريم التعاون مع الحكم في أيّ مجال من المجالات، خلال حواره مع صفوان الجمّال. قال صفوان: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السّلام فقال لي: يا صفوان! إن كلّ شيءٍ منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك، أيّ شيء ؟ قال: إكراؤك جِمالَك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ.
قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكّة ـ ولا أتولاّه، ولكن أبعث معه غلماني.
فقال لي: يا صفوان! أيقع إكراؤك عليهم ؟ قلت: نعم، جعلت فداك. فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك. قلت: نعم. قال: فمَن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان وارداً النار. قال صفوان: فذهبت وبِعتُ جِمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني وقال: يا صفوان! بلغني أنّك بعت جمالك ؟ قلت: نعم. فقال: لِمَ ؟ قلت: أنا شيخ كبير، وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال.
فقال: هيهاتَ هيهات! إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار موسى بن جعفر. قلت: مالي ولموسى بن جعفر! فقال: دع هذا عنك، فوالله لولا حُسن صحبتك لَقتلتُك (1).
وثمّة موقف آخر أعرب فيه الإمام الكاظم عليه السّلام عن نقمته وسخطه الشديدين على حكومة هارون، من خلال دعوته إلى حرمة التعاون معهم بأيّ لونٍ كان، وقد منع عليه السّلام الركون إليهم مستشهداً بقوله تعالى: «وَلا تَرْكَنوا إلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ» (2)، فحرّم عليه السّلام على المسلمين الميلَ إليهم، وأكّد على ضرورة مقاطعتهم حتّى لو كان ذلك مستنداً إلى التخلّي عن بعض المصالح الشخصية، كما حذّر أصحابه من الدخول في أجهزة الدولة أو قبول أيّ وظيفة من وظائفها أو الانضمام إلى أجهزتها. ويتّضح ذلك في موقفه من زياد بن أبي سلمة، قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السّلام، فقال لي: يا زياد! إنّك لتعمل عمل السلطان ؟! قلت: أجل. قال لي: ولِمَ ؟
قلت: أنا رجل لي مروّة وعلَيّ عيال، وليس وراء ظهري شيء. فقال لي: يا زياد! لأنْ أسقط من حالق (3) فأتقطّع قطعةً قطعة، أحَبُّ إليّ من أن أتولّى لأحدٍ منهم عملاً، أو أطأ بساط رجلٍ منهم، إلاّ لماذا ؟ قلت: لا أدري، جعلت فداك. قال: إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن، أو فكّ أسْره، أو قضاء دَينه.
يا زياد! إنّ أهون ما يصنع الله بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سُرادقَ من نار إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق.
يا زياد! فإن وُلِّيتَ شيئاً من أعمالهم، فأحسِنْ إلى إخوانك، فواحدة بواحدة، والله من وراء ذلك.
يا زياد! أيّما رجل منكم تولّى لأحدٍ منهم عملاً، ثمّ ساوى بينكم وبينهم فقولوا له: أنت مُنتحِلٌ كذّاب.
يا زياد! إذا ذكرتَ مقدرتك على الناس، فاذكر مقدرة الله عليك غداً، ونفاد ما أتيت إليهم عنهم، وبقاء ما أتيت إليهم عليك (4).
وقد استثنى الإمام الكاظم عليه السّلام ـ ولمصالح خاصّة ـ أحدَ أصحابه الكبار أن يتولّى منصب الوزارة أيّام هارون ومن قبلها منصب الأزمّة أيّام المهدي، ألا وهو عليّ بن يقطين، وقد تقدّم إلى الإمام عليه السّلام مرّات عديدة يطلب منه الإذن في ترك منصبه والاستقالة منه فنهاه عليه السّلام عن ذلك.
ففي كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي علي بن طاهر، قال: استأذن علي بن يقطين مولايَ الكاظم عليه السّلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له، وقال: لا تفعل؛ فإنّ لنا بك أُنساً، ولإخوانك بك عزّاً، وعسى أن يجبر بك كسراً، ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه.
يا علي! كفّارة أعمالكم، الإحسانُ إلى إخوانكم. إضمنْ لي واحدة وأضمن لك ثلاثة: إضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيتَ حاجته وأكرمته، وأضمن لك أن لا يظلّك سقف سجن أبداً، ولا ينالك حدّ سيف أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً.
يا عليّ! من سرّ مؤمناً فبالله بدأ، وبالنبيّ صلّى الله عليه وآله ثنّى، وبِنا ثلّث (5).
وبالإسناد عن إبراهيم بن أبي محمود، عن علي بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال: إن كنت لابدّ فاعلاً فاتّقِ أموال الشيعة. قال: فأخبرَني عليّ أنّه كان يُجْبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السر (6).
وبالإسناد عن عليّ بن يقطين: أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام: إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السلطان ـ وكان وزيراً لهارون ـ فإن أذنت لي ـ جعلني الله فداك ـ هربت منه. فرجع الجواب: لا آذنُ لك بالخروج من عملهم، واتّقِ الله ـ أو كما قال (7).
وموقف علي بن يقطين في طلب الإذن يتأتّى من تفهّمه لموقف الإمام عليه السّلام من السلطة ودعوته إلى مقاطعتها، أمّا موقف الإمام عليه السّلام فينطلق من مصالح خاصّة ذكرها في حديثه الأوّل.
وكانت مواقف الإمام عليه السّلام الصارمة التي التزمها وألزم بها أصحابه وندّد على المخالفين لمضمونها.. تهدف إلى إضعاف الروابط العملية بين السلطان والرعيّة، وبذلك يفقد السلطان مؤهّلات إقامة دولته وتركيز بناء حكمه، ويهيّئ الأرضية لإنهاء تماسك أجهزة الحكم وشلّ حركتها من الداخل، وهو أمضى سلاح يواجهه الحاكم الظالم، فحين تمتنع الطاقات عن عطائها للحكم وتكفّ الجماعة يدها عن العمل له وحماية مكاسبه، تتقلّص قدرته ويتداعى بناء أجهزته الظالمة.
فمقاطعة الحكم التي اعتمدها الإمام عليه السّلام ضدّ الحكم، كانت ثورة عملية ضدّ النظام ذات أبعاد عميقة، وكان نجاحها يتوقّف على نسبة الدعم الذي تقوم به الأُمّة في مواقفها العملية ضدّ الحكم القائم وفق المخطّط المرسوم لها من قِبَل الإمام عليه السّلام. غير أنّ افتقاد الأُمّة لمقوّمات الطاعة التامّة للإمام عليه السّلام، وركونها إلى الحكّام الظَلَمة لأجل مصالحها الذاتية، فوّت الفرصة عليها وأبطل فاعلية الخطّة التي كانت في مصلحتها، ممّا تسبّب في تقليص آثارها.
والإمام إنما أراد أنّ يقدّم للأُمّة الأطروحة العملية في مواجهة الظلم ومقاومة نفوذه بما يتّفق وظروف تلك المرحلة، وبما ينسجم مع مسؤولياته الرسالية في النصح للأُمّة وتسديدها عند اشتباه الحقّ والتباس معالم الهدى والصلاح، وكان على الأُمّة بعد هذا أن تختار لنفسها المصير الذي تشاء: فإمّا الاستجابة والعمل وبذلك تنتصر لرسالتها وحقّها في الحياة الكريمة، وإمّا الرضا والخنوع للواقع المعاش، وبذلك تكون قد فرضت على نفسها أن تعيش تحت ظلّ القمع والظلم والإرهاب بعيداً عن رسالتها.

موقف السلطة من الإمام

لقد عانى الإمام الكاظم عليه السّلام من تجاوزات الحكم وتصرّفاته الحاقدة، ولم يكن ثمّة ما يبرّر كلّ تلك التجاوزات والتصرّفات سوى قلق رؤوس السلطة وأزلامهم من وجود الإمام الكاظم عليه السّلام نفسه، بما يتمتّع به من سموّ شخصيّته العلمية والروحية الفذّة التي تمتاز بالنزاهة والأصالة وعمق الإيمان في مختلف الأوساط العامّة.
ويحاول الرشيد بما يمتلك من مخطّط تصفوي أن يفتعل الأعذار والمبرّرات للوقيعة بالإمام والتخلّص منه حتّى لا يواجه الأُمّةَ بالجريمة دون أن يكون لها ما يستدعيها، وكان الإمام عليه السّلام يتصدّى لمحاولات التصفية بالصبر وكظم الغيظ.
لقد استُدعي الإمام عليه السّلام ولأكثر من مرّة إلى بغداد في زمان المهدي العباسيّ ومن بعده في زمان الرشيد؛ وذلك لتقليص نفوذه في الأُمة وعزله بعيداً عن وجدانها وتفكيرها. فحينما يشعر الآخرون بالرقابة تفرض على الإمام بقوّة، والملاحقة تستمرّ بعنف، لا يسعهم ـ انسجاماً مع حبّ السلامة والعافية ـ إلاّ أن يقلّصوا من ارتباطهم به ويحدّوا من ممارساتهم العادية مع الإمام عليه السّلام.
ولم يكن الرشيد ليجهل موقف الإمام عليه السّلام، فقد صرّح الرشيد مرّة ببراءة الإمام عن كلّ ما يُرمى به من قبل الوشاة حيث قال: الناس يحملوني على موسى بن جعفر وهو بريء ممّا يُرمى به (8). ولكنّها النجاح الهائل الذي لقيه الإمام عليه السّلام والتأثّر بسيرته الصالحة في مختلف أوساط الأُمّة، والمحبّة له التي عمرت قلوب الناس، وصلابته في موقف الحقّ، وتفوّقه بالعلم ومكارم الأخلاق.. كلّ ذلك جعل منه عليه السّلام في نظر الرأي العامّ المسلم البديلَ المتعيَّن عن الخلافة الظالمة. أضف إلى امتناع الإمام عليه السّلام عن التعاون مع الحكم، وعدم التعاطف مع مواقف النظام المشبوهة، كلّ ذلك جعل الإمام عليه السّلام في تصوّرات الرشيد وسابقيه منافساً خطيراً وخصماً صلباً، دون أن تبدو منه عليه السّلام أيُّ بادرة خلاف ظاهرة تصطدم مع هيكل الحكم.
وفيما يلي نستعرض مواقف الحكّام الذين عاصرهم، وما جرى له معهم:

مع المنصور

لقد دامت فترة تولّي الإمام الكاظم عليه السّلام الإمامةَ في عهد المنصور نحو عشر سنوات، شاهد قبلها موقف المنصور مع أبيه الصادق عليه السّلام الذي اتّخذ من النظام الحاكم موقفاً واضحاً، ورغم ذلك فقد تعرّض مراراً لتحدّيات المنصور وتهديده له بالقتل تارةً وبالحبس أُخرى، وكان يحصي عليه أنفاسه ويراقبه من خلال عيونه وجواسيسه، حتّى اضطُرّ الإمام الصادق عليه السّلام إلى التستّر بالنصّ على الإمام مِن بعده إلاّ على خُلّص أصحابه، وأوصاهم بالحذر والكتمان من جواسيس المنصور وزبانيته، بل وأوصى إلى ولده الإمام الكاظم عليه السّلام من بعده ضمن خمسة أشخاص ـ وقيل إلى ثلاثة أشخاص ـ حذراً على الإمام الذي بعده وعلى شيعته. وشاهد الإمام الكاظم عليه السّلام أيضاً بني عمّه من الحسنيين وما حلّ بهم من الرزايا والنكبات ظلماً وعدواناً وقتلاً وتشريداً.
هكذا استقبل الإمام الكاظم عليه السّلام إمامته في عهد المنصور العباسي، فانطوت نفسه الزكيّة على الحزن العميق والأسى المرير، وتجرّع مرارة تلك الأحداث القاسية محتسباً كاظماً للغيظ.
لقد كان الإمام الكاظم عليه السّلام يقدّر حراجة الموقف الذي مرّ به وهو في مقتبل إمامته، فكان عليه السّلام حريصاً على التزام جانب الحذر والكتمان إلاّ من خاصّته وخُلّص أصحابه. وكان عليه السّلام يتّقي شرّ العباسيين ولا يسمح لشيعته ومريديه بالاتّصال به بشكل اعتيادي، حتّى إنّ الرواة من خلّص أصحابه كانوا يكنّون عنه: بالعبد الصالح، والعالِم، والسيّد، والرجل، وأبي إبراهيم.. وغير ذلك؛ حذراً وتوقّياً من فتك السلطة.
ورغم أنّ الإمام الكاظم عليه السّلام قد اتّخذ كافة الاحتياطات الكفيلة بأن تقيه وأصحابه من شرّ الحكّام الظلمة من القتل والحبس والتشريد في زمان المنصور، إلاّ أنّ عيون المنصور كانت تراقبه بدقّة وتحصي عليه وعلى أصحابه أنفاسهم، ففي حديث هشام بن سالم الذي تحيّر في الاهتداء إلى الإمام بعد الصادق عليه السّلام، فلمّا دُلّ عليه قال: قلت: جعلت فداك، إنّ أخاك عبدالله يزعم أنّه الإمام من بعد أبيه! فقال: عبدالله.. يريد أن لا يُعبدَ الله. قال: قلت: جُعِلتُ فداك، فمَن لنا من بعده ؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، فأنت هو ؟ قال: لا أقول ذلك. قال: فقلت في نفسي: إنّي لم أعرف طريق المسألة، ثمّ قلت له: جعلت فداك، أعليك إمام ؟ قال: لا.
قال: فدخلني شيء لا يعلمه إلاّ الله تعالى إعظاماً له وهيبة، ثمّ قلت له: جعلت فداك، أسألك عمّا كنت أسأل أباك ؟ قال: سل تُخبَرْ، ولا تُذِع، فإن أذعت فهو الذبح (9).
وهكذا، فإنّ انقطاع الإمام واعتصامه في بيته ومزاولته أعماله الخاصّة واعتزاله الناس إلاّ خواصّ أصحابه، جعل المنصور لا يراه خطراً على عرشه، فكفّ عنه الأذى والمكروه، سيّما وإنّ البعض كانوا قد التفّوا حول أخيه عبدالله الأفطح، وبعضهم قد رجع إلى القول بإمامة أخيه إسماعيل المتوفّى في حياة أبيه الصادق عليه السّلام. وقد بدت نتائج احتياطات الإمام الكاظم عليه السّلام واضحة خلال حكم المنصور، الذي سام العلويين أشدّ أنواع التعذيب والجور والسجن والقتل.. ورغم ذلك فإنّه لم يتعرّض للإمام إلى الاستدعاء إلى بغداد مثلاً كما كان يستدعي أباه الصادق عليه السّلام ويتهدّده بالقتل، ولا تعرّض عليه السّلام للحبس من قِبله كما تعرّض له في أيام المهدي والرشيد بعد أن اشتهر أمره وذاع صيته وتوسّعت قاعدته والتفّ حوله جماهير الشيعة ورجع إليه من شذّ منهم إلى غيره.
ولولا تلك التدابير التي اتّخذها الإمام وأبوه عليه السّلام لكان مصيره القتل على يد المنصور الجائر، ويتّضح ذلك من خلال رسالة المنصور إلى واليه على المدينة محمد بن سليمان حين أخبره بوفاة الإمام الصادق عليه السّلام والتي يقول المنصور فيها: إن كان أوصى إلى رجلٍ بعينه فقدّمه واضرب عنقه. وعاد الجواب: قد أوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبدالله وموسى وحميدة. فقال المنصور: ما إلى قتل هؤلاء سبيل (10)!
ولعلّ هذه الوصيّة هي التي ساهمت أيضاً إلى حدٍّ ما في بقاء الإمام الكاظم عليه السّلام بعيداً عن تفكير المنصور العباسي بقتله ـ ولو إلى حين.

أخباره عليه السّلام مع المنصور

1 ـ روى ابن شهرآشوب أنّه حُكي أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر عليه السّلام بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز، وقبضِ ما يحمل إليه، فقال عليه السّلام: إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله فلم أجد لهذا العيد خبراً، وإنّه سنّة للفرس ومحاها الإسلام، ومعاذ الله أن نحييَ ما محاه الإسلام.
فقال المنصور: إنّما نفعل هذا سياسةً للجند، فسألتك بالله العظيم إلاّ جلست. فجلس ودخلت عليه الملوك والأُمراء والأجناد يهنّونه.
ولا يُعرَف بالضبط أين طلب المنصور منه ذلك، هل في المدينة أم في بغداد، إذ لم تصرّح الرواية بذلك، ومهما يكن الأمر فإنّه يُستبعد أن يكون ذلك في بغداد؛ لأنّه عليه السّلام لم يُستدعَ من قبل السلطة إلى بغداد في زمان المنصور ـ كما ذكر المؤرّخون.
2 ـ قد تنبّأ الإمام الكاظم عليه السّلام صادقاً موتَ المنصور في نفس العام الذي توفّي فيه كما ذكرنا ذلك في معجزاته عليه السّلام، ونزيد هنا رواية الطبري بالإسناد عن عمر بن زيد، قال: سمعت أبا الحسن يقول: لا يشهد أبو جعفر المنصور بالناس موسماً بعد السنة. وكان حَجَّ في تلك السنة، فذهب عمر فخبّر أنّه يموت في تلك السنة (11).
وقد حجّ المنصور في حكمه مرّتين، وفي الثالثة أُصيب بإسهالٍ شديد، فهلك قبل أن يصل مكّة في بئر ميمون، وذلك سنة 158 هـ، لستٍّ خلون من ذي الحجّة (12)، وانطوت بموته صفحة حافلة بالظلم والإثم والموبقات.

المهدي بعد أبيه المنصور

تولّى الحكمَ بعد المنصور ولده محمد المهدي عشر سنين وشهراً وستّة عشر يوماً، ولم يتعرّض المهدي في بداية حكمه للإمام الكاظم عليه السّلام بمكروهٍ ولم ينله بسوءٍ، مكتفياً بوضع الرقابة الشديدة عليه. ولمّا رجع أكثر المنحرفين عن الإمام إلى القول بإمامته، والتفّ حوله الرواة والعلماء، فاشتهر أمره وذاع صيته.. عمد المهدي إلى استدعائه إلى بغداد فحبسه، قاصداً قتلَه، لكنّ إرادة الله كانت تحول دون ذلك، فأطلق سراحه بعد أن رأى برهان ربّه، والظاهر من الروايات أنّه سجنه أكثر من مرّة وفي كلّ مرّة كان ينجو عليه السّلام بإرادة الله تعالى.

أخباره عليه السّلام مع المهدي

1 ـ عن أبي خالد الزبالي، قال: قدم علينا أبو الحسن الكاظم عليه السّلام منطقة زبالة، ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في إشخاصه إليه إلى العراق من المدينة، ذلك في القدمة الأُولى على المهدي العباسيّ، فأتيته وسلّمت عليه، فسُرّ برؤيتي، وأوصاني بشراء حوائج له وتعبيتها عندي. فرآني غير منبسطٍ وأنا مفكّر منقبض، فقال: مالي أراك منقبضاً ؟ فقلت: وكيف لا ورأيتك سائراً وأنت تصير إلى هذا الطاغية ولا آمن عليك منه! فقال: يا أبا خالد! ليس علَيّ منه بأس، فإذا كان في شهر كذا من يوم الفلاني فانتظرني آخر النهار مع دخول الليل، فإنّي أُوافيك إن شاء الله تعالى.
قال أبو خالد: فما كان لي همّ إلاّ إحصاء تلك الشهور والأيّام إلى ذلك اليوم الذي وعدني المأتيّ فيه، فخرجت وانتظرنه إلى أن غربت الشمس، فلم أرَ أحداً، فداخلني الشكّ في أمره، فلمّا كان دخول الليل.. فبينما أنا كذلك، فإذا بسوادٍ قد أقبل من ناحية العراق، فإذا هو على بغلةٍ أمام القطار، فسلّمت وسُررت بمقدمه وتخلّصه، فقال لي: داخلك الشكّ يا أبا خالد! فقلت: الحمد لله الذي خلّصك من هذا الطاغية، فقال: يا أبا خالد! إنّ لهم إليّ عَودةً لا أتخلّص منهم (13).
2 ـ وعن الفضل بن الربيع، عن أبيه، أنّه لمّا حبس المهديُّ موسى بنَ جعفر، رأى المهدي في النوم عليَّ بن أبي طالب عليه السّلام وهو يقول: يا محمّد! « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدوا في الأرْضِ وَتُقطّعوا أرْحامَكُمْ » (14).
قال الربيع: فأرسل إليّ ليلاً، فراعني ذلك، فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية وقال: علَيَّ بموسى بن جعفر. فجئته به، فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وقال: يا أبا الحسن! إنّي رأيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في النوم يقرأ علَيّ كذا، فتؤمنني أن لا تخرج عليّ أو على أحدٍ من ولدي، فقال: والله لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني. قال: صدقت.. يا ربيع! أعطه ثلاثة آلاف دينار وردّه إلى أهله إلى المدينة.
قال الربيع: فأحكمت أمره ليلاً، فما أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق (15).
3 ـ وعن ابن شهرآشوب، قال: لمّا بويع محمد المهدي، دعا حميدَ بن قحطبة نصف الليل، وقال: إنّ إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهرُ من الشمس، وحالك عندي موقوف. فقال: أفديك بالمال والنفس، فقال: هذا لسائر الناس.
قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد. فلم يجبه المهدي. فقال: أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدِّين. فقال: لله درّك! فعاهده على ذلك، وأمره بقتل الكاظم عليه السّلام في السَّحَر بغتةً، فنام فرآى في منامه علياً عليه السّلام يشير إليه ويقرأ: « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدوا في الأرْضِ وَتقطّعوا أرْحامَكُمْ »، فانتبه مذعوراً ونهى حميداً عمّا أمره، وأكرم الكاظمَ عليه السّلام ووصله (16).
4 ـ وعن علي بن يقطين، قال: سأل المهديُّ أبا الحسن عليه السّلام عن الخمر، هل هي محرّمة في كتاب الله عزّوجلّ ؟ فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها! فقال له أبو الحسن عليه السّلام: بل هي محرّمة في كتاب الله عزّوجلّ. فقال له: في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب الله جلّ اسمه، يا أبا الحسن ؟ فقال: قول الله عزّوجلّ: « قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالإثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ » (17)، فأمّا قوله: « ما ظَهَرَ مِنْها » يعني الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأمّا قوله عزّوجلّ: « وَما بَطَنَ » يعني ما نُكح من الآباء، لأنّ الناس كانوا قبل أن يُبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله إذا كان للرجل زوجةٌ ومات عنها تزوّجها ابنه من بعده، إذا لم تكن أُمَّه، فحرّم الله عزّوجلّ ذلك.
وأمّا الإثم، فإنّها الخمرة بعينها، وقد قال الله عزّوجلّ في موضع آخر: « يَسْألونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إثْمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعُ لِلْنَّاسِ » (18) فأمّا الإثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر، وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى.
قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين! هذه والله فتوى هاشمية.
قال: قلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يُخرِج هذا العلم منكم أهل البيت. قال: فوالله ما صبر المهدي إلاّ أن قال لي: صدقت يا رافضي! (19).
5 ـ وعن الحسن بن علي بن النعمان قال: لمّا بنى المهدي في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد، فطلبها من أصحابها فامتنعوا، فسأل عن ذلك الفقهاء، فكلّ قال له: إنّه لا ينبغي أن يُدخِل شيئاً في المسجد الحرام غصباً، فقال له علي بن يقطين: يا أمير المؤمنين! لو كتبت إلى موسى بن جعفر لأَخبرك بوجه الأمر في ذلك.
فكتب إلى والي المدينة أن يسأل موسى بن جعفر عن دارٍ أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام، فامتنع علينا صاحبها، فكيف المخرج من ذلك ؟ فقال ذلك لأبي الحسن عليه السّلام، فقال أبو الحسن عليه السّلام: ولابدّ من الجواب في هذا ؟ فقال له: الأمر لابدّ منه. فقال له: اكتب، « بسم الله الرحمن الرحيم، إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى بفِنائها، وإن كان الناس هم النازلون بفِناء الكعبة فالكعبة أولى بفِنائها ». فلمّا أتى الكتاب إلى المهدي أخذ الكتاب فقبّله، ثمّ أمر بهدم الدار، فأتى أهل الدار أبا الحسن عليه السّلام فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتاباً في ثمن دارهم، فكتب إليه أن أرضح (20) لهم شيئاً، فأرضاهم (21).
6 ـ وعن علي بن أسباط، قال: لمّا ورد أبو الحسن موسى عليه السّلام على المهدي العباسي رآه يردّ المظالم، فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال مظلمتنا لا تُردّ ؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيّه صلّى الله عليه وآله فدكَ وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيه صلّى الله عليه وآله « وَآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ » (22) فلم يدرِ رسول الله صلّى الله عليه وآله مَن هم، فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل ربّه، فأوحى الله إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة عليها السّلام.
فدعاها رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال لها: يا فاطمة! إنّ الله أمرني أن أدفع إليكِ فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فلمّا وليَ أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردّها عليها. فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد بذلك.
فجاءت بأمير المؤمنين علي عليه السّلام وأُمّ أيمن، فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرّض، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر بن الخطّاب، فقال: ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. قال: أرِينِيه. فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثمّ تفل فيه ومحاه وخرّقه.
فقال لها: هذا لم يُوجِف عليه أبوكِ بخيلٍ ولا ركاب، فضعي الحبال في رقابنا.
فقال المهدي العباسي: يا أبا الحسن! حُدَّها لي. فقال: حدٌّ منها جبل أُحد، وحدّ منها عريش مصر، وحدّ منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل.
فقال له: كلّ هذا ؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا كلّه، إنّ هذا كلّه ممّا لم يوجف أهله على رسول الله صلّى الله عليه وآله بخيلٍ ولا ركاب. فقال: كثيرٌ، وأنظرُ فيه (23).
ومات المهدي في 22 محرّم سنة 169 هـ، وبويع بعده لولده موسى الهادي.

مع موسى الهادي

تسلّم الهادي مقاليد الخلافة وهو في غضارة العمر، فقد كان عمره 23 سنة، وقيل: 26 سنة، وكان سادراً في الطيش والغرور، متمادياً في الإثم والفجور، يشرب الخمر ويجاهر بالفسوق (24).
وقد أسرف في سفك دماء العلويين، وأجمع رأيه على التنكيل بالإمام موسى عليه السّلام، إلاّ أنّ الله تعالى استجاب دعاء الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام وقصم ظهره قبل أن يقوم بذلك.
ولم تذكر المصادر التأريخية أنّ الهادي العباسيّ استدعى الإمامَ الكاظم عليه السّلام إلى بغداد كما كان ديدن خلفاء الجور مع أهل البيت عليهم السّلام، ولعلّ المدّة القصيرة التي حكم خلالها والتي لا تتجاوز سنة وشهراً وخمسة عشر يوماً، لم تسمح له بممارسته هذا الأُسلوب.
وقد بلغ من حقد موسى الهادي على أهل بيت النبوّة عليهم السّلام أنّه كان علي بن الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب الذي يلقّب بالجزري، قد تزوّج رقيّة بنت عمرو العثمانية، وكانت قبله تحت المهدي، فبلغ ذلك الهادي، فأرسل إليه وحُمل إليه، فقال له: أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين ؟ قال: ما حرّم الله على خلقه إلاّ نساء جدّي صلّى الله عليه وآله، أمّا غيرهنّ فلا ولا كرامة. فشجّه بمخصرةٍ كانت في يده، وجلده خمسمائة سوط، وأراده أن يطلّقها فلم يفعل، وكان قد غُشِي عليه من الضرب (25).

ثورة الحسين صاحب فخّ

لقد كانت فترة حكم الهادي العباسيّ من الفترات القاسية الرهيبة في تاريخ الطالبيين، حيث استمرّ الحاكم على سيرة آبائه وسياستهم في كراهية العلويين وعامّة الطالبيين ومحاربتهم والتضييق عليهم، ممّا اضطُرّ العلويوّن وأتباعهم إلى إعلان الثورة عليه بقيادة الحسين بن علي صاحب فخّ سنة 169 هـ في عهد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام.

موقف الإمام الكاظم عليه السّلام

عندما عزم الحسين صاحب واقعة فخّ أن يثور على الأوضاع الفاسدة التي وصلت إلى حدّ الإذلال والاضطهاد الشديد للمؤمنين، أقبل إلى الإمام الكاظم عليه السّلام يستشيره في ثورته، وعرض عليه فكرة الثورة، فالتفت إليه الإمام عليه السّلام قائلاً: يا ابن عمّ! إنّك مقتول فأجدَّ الضِّراب، فإنّ القوم فسّاق، يُظهرون إيماناً، ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعند الله عزّ وجلّ أحتسبكم من عُصبةٍ (26).
وعندما جاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس وعندهما جماعة من ولد الحسن والحسين، فلم يتكلّم أحد منهم بشيء إلاّ موسى بن جعفر عليه السّلام، قيل له: هذا رأس الحسين ( صاحب فخّ ) ؟ قال: نعم، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله. فلم يجيبوه بشيء (27).
وروى أبو الفرج الإصفهانيّ بإسناده عن إبراهيم بن إسحاق القطّان، قال: سمعت الحسين بن علي ويحيى بن عبدالله يقولان: ما خرجنا حتّى شاورنا أهل بيتنا، وشاورنا موسى بنَ جعفر، فأمَرَنا بالخروج (28).
ولم يخرج الإمام الكاظم عليه السّلام مع الحسين رغم علمه بأنّ السلطة سوف تحمّله مسؤوليةَ الثورة كما حمّل هشامُ بن الحكم الأُمويّ جدَّه الباقرَ عليه السّلام مسؤولية ثورة زيد، وحمّل المنصورُ أباه الصادقَ عليه السّلام مسؤولية ثورة محمد النفس الزكية، وذلك لعلمه مسبقاً بالنتائج وبمآل الثورة، ولمصالح أُخرى يعلمها ويقدّرها الإمام عليه السّلام بحكمته.
روى الكليني بإسناده عن عبدالله بن المفضل ـ مولى عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ـ قال: لمّا خرج الحسين بن علي المقتول بفخّ، واحتوى على المدينة، دعا موسى بنَ جعفر عليه السّلام إلى البيعة فأتاه، فقال له: يا ابن عمّ! لا تكلّفني ما كلّف ابنُ عمّك عمَّك (29) أبا عبدالله عليه السّلام، فيخرج منّي ما لا أُريد، كما خرج من أبي عبدالله عليه السّلام ما لم يكن يريد.
فقال له الحسين: إنّما عرضتُ عليك أمراً، فإن أردتَه دخلت فيه، وإن كرهته لم أحملك عليه، والله المستعان؛ ثمّ ودّعه.
وحين ودّعه الإمام الكاظم أوصاه بما تقدّم: يا ابن عمّ! إنّك لمقتول، فأجدّ الضراب... ثمّ خرج الحسين، وكان من أمره ما كان، قُتِلوا كلّهم كما قال عليه السّلام (30).

هوامش

1 ـ رجال الكشي، للشيخ الطوسي 373.
2 ـ هود: 113.
3 ـ أي من جبلٍ عالٍ.
4 ـ الكافي، للكلينيّ 109:5 حديث 1. تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسيّ، 333:6 حديث 45بحار الأنوار، للشيخ المجلسي 172:48 حديث 13.
5 ـ بحار الأنوار 136:48 حديث 10.
6 ـ الكافي 110:5 حديث 3. تهذيب الأحكام 335:6 حديث 48. بحار الأنوار 158:48 حديث 31.
7 ـ قرب الإسناد، للحميريّ 126. بحار الأنوار 158:48 حديث 32.
8 ـ الكافي 366:1 حديث 99. بحار الأنوار 165:48 حديث 7.
9 ـ كشف الغمّة، للإربليّ 13:1.
10 ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب 320:4.
11 ـ دلائل الإمامة، للطبريّ الإمامي 158.
12 ـ أُنظر تاريخ بغداد، للبغداديّ 53:1 ـ 61. سير أعلام النبلاء، للذهبيّ 83:7.
13 ـ الفصول المهمّة، لابن الصبّاغ المالكي 232. نور الأبصار، للشبلنجيّ 149. الكافي 477:1حديث 3 ـ عنه بحار الأنوار 228:48 حديث 32. إعلام الورى، للطبرسيّ 305. ونحوه في دلائل الإمامة 165. مناقب آل أبي طالب 287:4 و 294. قرب الإسناد، للحميريّ 140. إثبات الوصيّة، للمسعوديّ 165. الخرائج والجرائح، لقطب الدين الراوندي 315:1 حديث 8.
14 ـ سورة محمّد صلّى الله عليه وآله: 22.
15 ـ تاريخ بغداد 30:13. إعلام الورى 294. صفة الصفوة، لابن الجوزي 184:2. تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزي 249. وفيات الأعيان، لابن خلّكان 308:5. سير أعلام النبلاء 272:6. البداية والنهاية، لابن الأثير 190:10. الفصول المهمّة 230.
16 ـ المناقب 300:4. بحار الأنوار 139:48 حديث 15.
17 ـ الأعراف: 33.
18 ـ البقرة: 219.
19 ـ الكافي 406:6 حديث 1. تفسير العياشي 17:2 حديث 83. وسائل الشيعة، للحرّ العامليّ 314:14 حديث 7، و 240:17 حديث 12. بحار الأنوار 145:79 حديث 59.
20 ـ أرضَخَ له: أعطاه قليلاً من كثير.
21 ـ تفسير العياشي 185:1.
22 ـ الإسراء: 26.
23 ـ الكافي 456:1 حديث 5 ـ عنه بحار الأنوار 156:48 حديث 29. ورواه الطوسيّ في تهذيب الأحكام 148:4 حديث 414.
24 ـ أُنظر سيرته وأخباره في: الكامل في التأريخ، لابن الأثير 101:6 ـ 106.
25 ـ الكامل في التاريخ، لابن الأثير 104:6.
26 ـ مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الإصفهانيّ 298. الكافي 366:1 حديث 18.
27 ـ مقاتل الطالبيين 302. بحار الأنوار 165:48.
28 ـ مقاتل الطالبيين 304.
29 ـ هو محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، المعروف بالنفس الزكية، والمقتول بأحجار الزيت في أيام المنصور.
30 ـ الكافي 366:1 حديث 18. بحار الأنوار 160:48 حديث 6.
31 ـ سخينة: لقب قريش، لأنّها كانت تُعاب بأكل السخينة، وهي حساء يُعمل من التمر والسمن.
32 ـ أفرخ روعه: خلا قلبه من الهمّ.
33 ـ مهج الدعوات، لابن طاووس 217 ـ 227. وانظر أيضاً: عيون أخبار الرضا عليه السّلام، للشيخ الصدوق 79:1 حديث 7. أمالي الطوسي 35:2. أمالي الصدوق 307 حديث2.
34 ـ الكافي 405:1. روضة الواعظين، للفتّال النيسابوريّ 221. تاج المواليد، للشيخ الطبرسيّ 123. مناقب آل أبي طالب 323:4. الفصول المهمّة 241.
35 ـ تاريخ بغداد 27:13. وفيات الأعيان 309:5.
36 ـ تاريخ بغداد 31:13. وفيات الأعيان 309:5. إعلام الورى 307.
37 ـ كامل الزيارات، لابن قولويه 18. ورواه في الكافي 553:4 حديث 8. وحلية الأبرار، للسيّد هاشم البحرانيّ 273:2. وأخرجه الشيخ الطوسيّ في التهذيب 6:6 حديث 3.
38 ـ الأعراف: 146.
39 ـ البيّنة: 1.
40 ـ إبراهيم: 28.
41 ـ الاختصاص: 256. تفسير العياشي 29:2 حديث 78.
42 ـ اربدّ وجهه: احمرّ حمرةً فيها سواد عند الغضب.
43 ـ أي ساحله.
44 ـ ربيع الأبرار، للزمخشري 315:1.
45 ـ بحار الأنوار 144:48 حديث 20 ـ عن المناقب، لابن شهرآشوب.
46 ـ أي مصفرّ الوجه.
47 ـ أي جرحه وأثّر فيه.
48 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 88:1 حديث 11. ومدينة المعاجز، للسيّد هاشم البحرانيّ 449 حديث 74. وحلية الأبرار 269:2.
49 ـ أمالي الصدوق 307 حديث 1. عيون أخبار الرضا عليه السّلام 93:1 حديث 12.
50 ـ ولم يكن يحيى يعلم أنّ الله بالمرصاد لكلّ باغٍ، وأنّ من حفر بئراً لأخيه أوقعه الله فيها، وأنّ من سلّ سيف البغي قُتل به، فزالت دولته ودولة ولده في حياة الرشيد قبل انتقال الأمر إلى الأمين، وقتله الرشيد ووُلْدَه شرّ قتلة، واقتصّ الله للإمام الكاظم عليه السّلام منهم في دار الدنيا، ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى.
51 ـ المتّ: التوسّل والتوصّل بحرمةٍ أو قرابة أو غير ذلك.
52 ـ أي ركبت معه في المحمل.
53 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 69:1 حديث 1. بحار الأنوار 207:48 حديث 1.
54 ـ الإرشاد، للشيخ المفيد 238:2.
55 ـ مقاتل الطالبيين 333. روضة الواعظين 218:1. الإرشاد 238:2.
56 ـ مريم: 59.
57 ـ الاختصاص، للشيخ المفيد 48. تحف العقول، لابن شعبة الحرّانيّ 404.
58 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 81:1 حديث 9. الاحتجاج 161:2.
59 ـ ربيع الأبرار، للزمخشريّ 553:3.